الأحزاب السياسية كما يصفها أندريه هوريو، تنظيمات دائمة تتحرك على مستوى وطني ومحلي من أجل الحصول على الدعم الشعبي بهدف الوصول إلى ممارسة السل...
الأحزاب السياسية كما يصفها أندريه هوريو، تنظيمات دائمة تتحرك على مستوى وطني ومحلي من أجل الحصول على الدعم الشعبي بهدف الوصول إلى ممارسة السلطة بغية تحقيق سياسة معينة، وهي تلعب أدواراً هامة نظراً لما تتمتع به من قدرة على تنظيم وتجنيد الجماهير، وتتحدد وظيفة الحزب السياسي في: تربية وتوعية المواطنين سياسياً، تدريب كوادر قادرة على قيادة العمل الوطني، تنمية اتجاهات وبرامج اجتماعية واقتصادية وقيادة الجماهير لتنفيذها، وأخيراً نقد السلطة، أي منع استبدادها وكشف أخطائها. وعلى الرغم من الاعتراف بأهمية الحزب السياسي كأداة للتغيير وتداول السلطة وتعزيز المشاركة وكأرقى شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي القصدي، إلا أنه مع التطورات المذهلة في العلوم والتكنولوجيا ووسائل الاتصال وعجز المؤسسات التقليدية عن استيعاب هذه التطورات، بدأت تتراجع أشكال الفعل السياسي التقليدية كالانتخابات، وبرز اتجاه واضح يميل نحو الديمقراطية المباشرة عبر إشراك الناس في مبادرات جماعية تتمحور حول قضايا محددة، وأمام انطلاق قوى السوق وبيروقراطية الدولة وأدواتها وعجز الأحزاب السياسية، راحت تنمو على مستوى الكون، ظاهرة القطاع الثالث أو ما يسمى بالمنظمات غير الحكومية. والمنظمة غير الحكومية أنها نمط من المشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية، وهي هيكل من هياكل الإدماج السياسي والاجتماعي، وهي تدريب فردي وجماعي في الاستفادة من المعارف ووضعها موضع التطبيق تحقيقاً للنفع العام. ، كما يعرفها الفكر السياسي الفرنسي، هي الرغبة في الاتحاد والتعاون والتكامل وتبني قضايا مشتركة، كما يمكن اعتبارها سلطة مضادة تضمن للقوى السياسية والاجتماعية قنوات للمشاركة والاندماج والتعبير المستقل عن السلطة. ويحدد وناس ثلاث وظائف للمنظمة الأهلية: الإدماج والمشاركة، التسيير الإداري والمالي والسياسي وتحمل المسؤولية، والتعبير عن المصالح والدفاع عنها. مؤتمر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة يعرف المنظمات غير الحكومية بأنها هيئات مستقلة للتنمية، وذات شخصيات اعتبارية تتيح لها الدخول في تعاقدات ملزمة يسمح بها القانون ويكون لها في الغالب هياكل محددة وموارد مالية وبشرية تمكنها من تنفيذ برامج عمل لتحقيق أهدافها. وبغض النظر عن تعدد التعريفات، إلا أنه ثمة اتفاق على الصفات الرئيسة للمنظمات غير الحكومية: لا تهدف للربح، الطوعية، لها هياكل تنظيمية، الاستقلالية في الحركة والإدارة، لها صفة قانونية وبرامج عمل وقدرة على التنفيذ.
تصنف أنشطة المنظمات غير الحكومية عادة إلى ثلاث مجموعات: الأنشطة الخيرية وأنشطة الرعاية الاجتماعية، الأنشطة التي تهدف للمشاركة في تحقيق التنمية، الأنشطة التي تهدف إلى إعداد السكان وتأهيلهم للقيام بدور ايجابي في عمليات اتخاذ القرارات على المستوى المحلي والوطني.وبالرغم من مساحات التقاطع بين كل من التنظيم السياسي والمنظمة الأهلية من حيث السعي نحو تغيير ميزان القوة في المجتمع لصالح فئات وشرائح بعينها، ومن حيث وجود رؤية وبرنامج عمل متكامل، أو من حيث بعض وسائل وأساليب العمل، فإن مسألة الحصول على السلطة أو المشاركة فيها تمثل الفرق الرئيسي بين الاثنين. "يرى غرامشي أهمية بناء أوسع حركة جماهيرية ممكنة واستعمال كافة الطرق الممكنة للاتصال بالجماهير. ويعطي الحزب دوراً شمولياً يقوم به دون أن ينفرد بالقيادة، وبدون العمل على الاستيلاء على تلك الحركات الجماهيرية المستقلة بهدف استخدامها كواجهات للحزب. إن وجود منظمات جماهيرية غير تابعة للحزب هو أمر حيوي. برهان غليون يرى أن نمط التنظيم السياسي لا يمكن أن يكون خلاّقاً إلا في تنظيم النشاطات المتعلقة بتوحيد ومركزة الجهد البشري المادي والنظري، وهو جهد إبداعي تعريفاً، ومتى ما طمح إلى أن يحل محل تنظيمات المجتمع المدني التعددية التي تتيح وحدها الخلق والإبداع، فقد مفعوله السياسي والمدني معاً. "إن غاية السياسة هي التسامي والتجاوز من أجل التوحيد الأشمل، في حين أن غاية المجتمع المدني هي حفظ التمايزات وكفالة الخصوصيات والتضامنات الجزئية الحية والضرورية. يتميز المجتمع المدني عن السياسة في أنه نمط من التنظيم الاجتماعي يتعلق بعلاقات الأفراد في ما بينهم بوصفهم مواطنين أو أعضاء في وطن، أي لا من حيث خلق رابطة وطنية شاملة، ولكن من حيث هم منتجون لحياتهم المادية وعقائدهم وأفكارهم ومقدساتهم ورموزهم"، نخلص إلى نتيجة مفادها أن التنظيم المدني يختلف عن التنظيم السياسي من حيث: التنظيم السياسي مركزي، أي يختص بتكوين السلطة المركزية وحمايتها، بينما يقوم التنظيم المدني على الخصوصية والاستقلالية الذاتية وتنمية التضامنات الجزئية. التنظيم السياسي رسمي، حيث تبنى فيه العلاقات على أساس قانون ثابت وعام ومجرد وموضوعي، في حين أن التنظيم المدني يخضع لقواعد غير مرسّمة، رهين بصورة أكبر بتبدل ميزان القوى أو العادة أو الأخلاق أو المصلحة.
بقلم: إنجي توفيق
التعليقات