أهمية تشكيل لوبي مجتمعي لكرد سوريا في الاغتراب

آدمن الموقع
0
أهمية تشكيل لوبي مجتمعي لكرد سوريا في الاغتراب 
بين الضرورة التاريخية والاستحقاق السياسي
بقلم: أ. إبراهيم مصطفى (كابان) 
في عالم تهيمن عليه ديناميات التأثير السياسي والاقتصادي والثقافي عبر شبكات الضغط واللوبيات المتخصصة، لم تعد قوة المجتمعات تقاس فقط بعدد سكانها أو موقعها الجغرافي، بل بقدرتها على تمثيل ذاتها والدفاع عن مصالحها في مراكز القرار الدولي. وبالنظر إلى واقع كرد سوريا، الذين يشكّلون إحدى أكثر الجماعات الكردية تهميشاً على مستوى التمثيل السياسي الخارجي، تبرز الحاجة الماسّة إلى إنشاء لوبي مجتمعي فاعل في دول الاغتراب، يستطيع أن يكون صوتاً حقيقياً لهذه الشريحة الكبيرة من الشعب الكردي. 
فاللوبي لا يُفهم فقط ككيان سياسي يقوم بالضغط على البرلمانات والحكومات، بل هو بالأساس بنية مجتمعية مدنية، تتكوّن من تحالفات أكاديمية، وإعلامية، وثقافية، واقتصادية، تعمل بتناغم استراتيجي لإعادة صياغة موقع المجتمع في الخارطة الدولية. إن تشكيل لوبي كردي سوري في الشتات، تحديداً في أوروبا وأمريكا الشمالية، لم يعد مجرد ترف فكري أو نشاط نخبوي، بل بات ضرورة وجودية في ظل التغيرات البنيوية العميقة التي تضرب الشرق الأوسط، وإعادة رسم خرائط النفوذ، والتلاعب بمصائر الشعوب عديمة الحماية الدولية. 
أولاً: واقع كرد سوريا في الشتات بين التشتت واللا تمثيل: توزع الكرد السوريون في المهجر على موجات، بدءاً من الهجرات الأولى خلال السبعينات والثمانينات نتيجة القمع السياسي، مروراً بالهجرة الواسعة بعد عام 2011، والتي نتجت عن القتال، والتهميش، وانعدام الأفق. ومع تزايد عدد الكرد في أوروبا (خاصة ألمانيا، السويد، هولندا، فرنسا)، لم يرافق هذا الحضور الديمغرافي تصاعد مماثل في التأثير السياسي. 
والسبب في ذلك لا يكمن في ضعف الموارد فقط، بل أيضاً في غياب التنظيم الجماعي، وتشتت النخب، وتعدد الانتماءات الحزبية، والتردد في الانتقال من الانشغال بالهوية إلى العمل من أجل الحقوق السياسية في البلدان المضيفة، وعلى المستوى الدولي. لقد وجد الكرد السوريون أنفسهم وسط مجتمعات ديمقراطية توفر أدوات التأثير (منظمات، أحزاب، إعلام، انتخابات)، لكن دون استثمار حقيقي لهذه المساحات. 
ثانياً: المفهوم الاستراتيجي للوبي المجتمعي: يختلف اللوبي المجتمعي عن اللوبي الحزبي أو القومي في كونه لا يُعبّر عن اتجاه إيديولوجي معين، بل يتأسس على المصلحة الجماعية، التي تتجاوز الخلافات الأيديولوجية والولاءات التنظيمية. إنه كيان مرن، مبني على العمل المؤسساتي، ويهدف إلى تحقيق التأثير السياسي، والتمثيل الرمزي، والدفاع عن الحقوق عبر أدوات ديمقراطية. 
 تتكوّن بنيته النموذجية من: 
  • نخب أكاديمية ومثقفة تصوغ الخطاب العام وتقدم أوراق السياسات.
  • إعلام مستقل يعيد رواية السردية الكردية السورية بلغة يفهمها صانع القرار الغربي.
  • منظمات مجتمع مدني تسجل وتوثق الانتهاكات وتنشط في المحافل الحقوقية.
  • رجال أعمال وأصحاب نفوذ اقتصادي يدعمون اللوبي مادياً ويوفرون أدوات الضغط.
  • شبكات شبابية تتفاعل مع قضايا الهوية والمواطنة والاندماج.
إن تشكيل هذا اللوبي لا يعني السعي نحو دولة مستقلة أو الترويج لمطالب متطرفة، بل العمل ضمن الفضاء الحقوقي، للمطالبة بالحماية، والدعم، والاعتراف، وتمكين المجتمع الكردي في سوريا من التعبير عن نفسه في المحافل الدولية. 
ثالثاً: الأهداف المركزية للوبي الكردي السوري في الاغتراب: إعادة الاعتبار للهوية الكردية السورية: إذ يعاني كرد سوريا من طمس مزدوج؛ مرة في الداخل من قبل الأنظمة المتعاقبة، ومرة في الخارج حيث تذوب هويتهم في سرديات كردية عامة لا تعكس خصوصيتهم.
بناء علاقة مع المؤسسات الغربية: عبر العمل مع البرلمانات، ومراكز القرار، ومنظمات حقوق الإنسان لتأمين اعتراف سياسي وثقافي بخصوصية هذا المكوّن، ودعم مطالبه العادلة.
رصد وتوثيق الانتهاكات: وتقديمها إلى المحاكم الدولية، والمجالس الحقوقية، خاصة فيما يتعلق بعمليات التغيير الديمغرافي، والتطهير الثقافي التي يتعرض لها الكرد في الشمال السوري.
دعم المجتمع المدني في الداخل: من خلال نقل المعرفة، وبناء الشراكات، وتوفير الدعم المالي والخبراتي للمنظمات والمؤسسات الكردية في سوريا.
المشاركة السياسية في الدول المضيفة: عبر تشجيع الجاليات الكردية على الانخراط في الأحزاب، والانتخابات، والمجالس المحلية لبناء نفوذ دائم. 
رابعاً: تحديات بناء لوبي مجتمعي كردي سوري. رغم أهمية المشروع، تواجه عملية تأسيس اللوبي مجموعة من التحديات: 
  • الانقسام السياسي الحزبي: إذ تعاني النخب الكردية من الاستقطاب بين مشاريع قومية ويسارية وقبلية، ما يعوق قيام جسم موحد.
  • ضعف الموارد: سواء المادية أو البشرية، فغالباً ما يُنظر إلى العمل المدني كعمل تطوعي لا يحتاج إلى تخطيط احترافي طويل الأمد.
  • غياب التدريب والمهارات: إذ تفتقر الجاليات إلى الخبرات اللازمة في مجالات الضغط السياسي، والتفاوض، وصياغة السياسات.
  • العوائق القانونية في الدول المضيفة: التي تقيّد أحياناً من حرية التنظيم، أو تتطلب تراخيص معقدة.
لكن هذه التحديات، مهما كانت جدية، يمكن تجاوزها إذا وُجد الوعي الجمعي، والإرادة السياسية، والتخطيط الاستراتيجي. 
خامساً: دروس من تجارب لوبيات أخرى. تقدم تجارب الجاليات الأرمنية، واليهودية، والتبتية، والأوكرانية، دروساً بالغة الأهمية لكيفية بناء لوبي ناجح: أولاً: لا بد من صياغة خطاب مشترك يتجاوز الخلافات الداخلية.
ثانياً: ضرورة الاستثمار في الإعلام بلغات الدول المضيفة.
ثالثاً: تكوين علاقات متينة مع السياسيين المحليين من خلال العمل اليومي المجتمعي وليس فقط المناسباتي.
رابعاً: إنشاء مراكز دراسات تعنى بإنتاج المعرفة حول المجتمع الكردي السوري من منظور علمي ومؤسساتي.

الخلاصة: من الغياب إلى الفعل: لقد آن الأوان أن ينتقل كرد سوريا من موقع الغياب السياسي إلى موقع الفعل الاستراتيجي. الشتات ليس فقط نتيجة مأساة، بل فرصة لتأسيس مساحات جديدة للفعل السياسي والمدني. ومن خلال تشكيل لوبي مجتمعي في الاغتراب، يمكن للكرد أن يصوغوا مستقبلهم بأدوات العصر: التأثير، الشراكة، المعرفة، والعقلانية.

ففي هذا العصر، لا يكفي أن تكون على حق، بل يجب أن تكون منظماً، مرئياً، ومسموعاً. وهذا هو جوهر الحاجة إلى لوبي كردي سوري في المهجر: أن نتحول من مجتمع يعاني بصمت، إلى مجتمع يصنع حضوره بشجاعة ومسؤولية.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!