تقرير: فريق الجيوستراتيجي
شهدت مدينة دوسلدورف الألمانية يوم السبت 20 أيلول/سبتمبر 2025 فعالية فكرية مميزة نظمها مركز الجالية الكردستانية، وحضرها العشرات من المثقفين والمهتمين بالشأن الكوردي والسياسي. جاءت هذه الفعالية في سياق متصاعد من الحراك الفكري والثقافي الذي يسعى أبناء الجالية الكردية في أوروبا إلى تعزيزه كجسر للتواصل مع القضايا الوطنية والمصيرية التي تمس حاضر ومستقبل المنطقة.
افتتحت الندوة بكلمة ترحيبية للكاتب ريبر هبون، الذي شدّد على أهمية الحوار الفكري والنقاش المسؤول في مواجهة التحديات التي تعصف بالشرق الأوسط. ثم قدّم الأستاذ إبراهيم مصطفى (كابان) – مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات – محاضرته الرئيسية التي اتسمت بالعمق والتحليل، حيث سعى إلى تقديم قراءة شاملة للواقع السوري والكوردي في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية.
المحاضرة: تفكيك الواقع السوري والكوردي
توقف الأستاذ كابان عند البنية المعقدة للنظام السوري، موضحًا كيف أن تشابك المصالح الداخلية مع التدخلات الخارجية خلق حالة من الجمود السياسي وعرقل أي مشروع وطني جامع. وأشار إلى أن الأزمة السورية ليست مجرد صراع على السلطة، بل هي انعكاس لتحولات عميقة في بنية الدولة والمجتمع.
ثم تناول المحاضر أبرز المحاور:
النقاشات ومداخلات الحضور
- الأبعاد الاستراتيجية للأزمة السورية: حيث عرض خرائط النفوذ والتأثير، وكيفية تقاطع المصالح الإقليمية والدولية على الأرض السورية.
- صراع القوى المحلية: مؤكداً أن محاولات بعض الأطراف لإعادة إنتاج نموذج الدكتاتورية تتعارض مع طموحات الشعوب في الحرية والكرامة.
- المعادلة بين النظامين البعثي والسلفي: باعتبارهما وجهين لنهج إقصائي واحد، لا يتيحان مجالاً للاعتراف بحقوق المكونات القومية والدينية.
- خصوصية التجربة الكوردية: كأحد أبرز المكونات التي دفعت ثمن الصراع، مع مقارنة بتجارب مكونات أخرى كالعلويين والدروز.
- السيناريوهات المستقبلية: حيث أشار إلى احتمالات استمرار الأزمة في ظل غياب توافق داخلي ورعاية دولية متوازنة، مقابل فرص محدودة لإيجاد مخرج سياسي عادل.
النقاشات ومداخلات الحضور
تميّزت الندوة بحيوية التفاعل بين المحاضر والجمهور، إذ قدّم الحضور من مثقفين ونشطاء سياسيين مجموعة من المداخلات التي انصبت بالدرجة الأولى على الوضع الكوردي. وقد ركّزت هذه المداخلات على ضرورة قراءة الظرف الكوردي بموضوعية، باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الحدث السوري العام، مع التأكيد على أهمية امتلاك مشروع وطني ديمقراطي جامع يضمن حقوق جميع المكونات.
كانت النقاشات بمثابة إثراء حقيقي للمحاضرة، إذ أعطت بعداً حيوياً للطرح النظري، وجسّدت دور المثقف والناشط السياسي في النقد والمساءلة وطرح البدائل الممكنة.
الجانب الثقافي والفني
لم تقتصر الندوة على الطابع الفكري، بل امتدت لتشمل بعداً ثقافياً وفنياً، حيث جرى عرض عدد من لوحات الفنانة التشكيلية سيران، التي جسدت بألوانها وخطوطها عوالم الحرية والهوية والانتماء. هذا التلاقي بين الفكر والسياسة من جهة، والفن والإبداع من جهة أخرى، أعطى الفعالية بُعداً متكاملاً يعكس طبيعة الثقافة الكردية المتنوعة.
كما شهدت الندوة توقيع كتابين جديدين للأستاذ كابان: مسارات الشرق الأوسط و ديموغرافية شمال سوريا – غربي كوردستان. وقد شكّل هذا التوقيع فرصة للتأكيد على أهمية البحث الأكاديمي والتوثيق في خدمة القضية الكوردية، وربط النظرية بالممارسة.
الخاتمة والتوصيات
اختُتمت الفعالية بتأكيد الحاضرين على أن مثل هذه اللقاءات الفكرية تشكل رافعة حقيقية للحوار الجاد حول مستقبل سوريا، وتفتح آفاقاً أوسع لفهم التحديات التي تواجه الشعب الكوردي في إطارها الوطني العام. كما شدّد المشاركون على ضرورة استمرار عقد ندوات مشابهة تعزز من ثقافة النقاش وتبادل الرؤى، بعيداً عن الاصطفافات الضيقة، وبما يرسخ أسس الوعي الديمقراطي والعيش المشترك.
20.09.2025