تمرّ في هذا الشهر الذكرى السنوية لما يُعرف بـ"مشروع الحزام العربي"، أحد أكثر السياسات العنصرية فداحةً التي اتبعتها الدولة السورية ...
تمرّ في هذا الشهر الذكرى السنوية لما يُعرف بـ"مشروع الحزام العربي"، أحد أكثر السياسات العنصرية فداحةً التي اتبعتها الدولة السورية في القرن العشرين بحق المكوّن الكوردي في البلاد. فقد بدأ هذا المشروع رسميًا في عام 1973 بقرار مباشر من القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم حينها، بعد سنوات من التمهيد والتهيئة عبر عمليات الإحصاء العنصري عام 1962، والذي جُرّد بموجبه أكثر من 120 ألف كردي من جنسيتهم السورية في محافظة الحسكة، رغم كونهم مواطنين أصليين ومتجذرين في الأرض منذ قرون طويلة.
لقد استهدف مشروع الحزام العربي المناطق الكوردية الممتدة بمحاذاة الحدود التركية – من ديريك (المالكية) شرقًا إلى سري كانيه (رأس العين) غربًا – بمخطط ممنهج لنزع الصفة الكردية عنها، عبر استجلاب آلاف الأسر العربية من محافظات الرقة وحلب وحماة وإسكانها في مستوطنات مصطنعة أُقيمت على الأراضي المصادرة من المزارعين الكرد، الذين لم يُعوّضوا ولم يُعترف لهم بأي حق حتى اليوم.
نُذكّر الرأي العام بأن هذا المشروع لم يكن مجرّد إجراء إداري، بل كان عملية تهجير قسري شاملة، رافقتها حملات ممنهجة من القمع والتهميش والإقصاء اللغوي والثقافي. ولم تكتفِ الدولة بذلك، بل عمدت إلى تغيير أسماء القرى الكردية إلى أخرى عربية، ومنعت تسجيل المواليد بأسماء كوردية، في محاولة لطمس هوية شعب بأكمله.
بناءً على ما تقدّم، فإن منظمة الجيوستراتيجي للمجتمع المدني الكوردي تعلن ما يلي:
أولاً: اعتبار مشروع الحزام العربي جريمة سياسية وديمغرافية موصوفة
وذلك لكونه يندرج ضمن سياسات التطهير العرقي والإبادة الثقافية التي تنتهك كل القوانين الدولية، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة، والميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وقرارات الأمم المتحدة بشأن السكان الأصليين والحقوق الجماعية.
ثانيًا: المطالبة بإلغاء المشروع من جذوره
والتعامل مع ملف الحزام العربي كأحد أبرز ملفات العدالة الانتقالية، وضرورة تفكيك المستوطنات القائمة على الأراضي الكوردية، أو إيجاد تسويات عادلة تضمن عودة الحقوق إلى أصحابها الحقيقيين.
ثالثًا: استعادة الحقوق القانونية للكُرد المجردين من الجنسي
وذلك بإلغاء نتائج الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 فورًا، وتعويض المتضررين عن عقود من التهميش والحرمان من التعليم، التوظيف، التملك، والتنقل. لقد أنشأت الدولة بفعل هذا الإحصاء طبقة من الكرد "البدون" ما تزال تعاني من آثار هذا التمييز حتى بعد سقوط البنية الرسمية للنظام في بعض المناطق.
رابعًا: دعوة الحكومة السورية الانتقالية إلى الاعتراف بهذه الجرائم رسميًا
ومعالجة آثارها ضمن برنامج إصلاحي وطني حقيقي، لا يكتفي بالشعارات، بل يبدأ بإصدار قرارات ملموسة تُلغي نتائج المشاريع العنصرية، وتفتح باب المصالحة الوطنية القائمة على ردّ الحقوق وإنهاء الإقصاء القومي.
خامسًا: التأكيد على أن القضية الكوردية هي قضية شراكة وطنية لا مسألة أمنية
وأن أي حلّ ديمقراطي في سوريا لا يمكن أن يُكتب له النجاح دون الاعتراف الدستوري بالشعب الكوردي كمكوّن أصيل في البلاد، وضمان حقوقه القومية واللغوية والثقافية والسياسية بشكل عادل ومتساوٍ.
سادسًا: دعوة المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية للتدخّل
من خلال الضغط على السلطات السورية للامتثال للقانون الدولي، والاعتراف بانتهاكات الماضي كخطوة ضرورية نحو المصالحة وبناء دولة المواطنة.
سابعًا: فتح حوار وطني شامل بمشاركة الوفد الكردي المشترك
بهدف التوصّل إلى صيغة جديدة للعقد الاجتماعي السوري، تضمن للكُرد وشركائهم من المكونات الأخرى تمثيلًا حقيقيًا وشراكة في صياغة مستقبل البلاد، بعيدًا عن عقلية الإقصاء التي أنتجت مشاريع كالحزام العربي.
في الختام
إن منظمة الجيوستراتيجي للمجتمع المدني الكوردي تُجدد التزامها بالدفاع عن الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في سوريا، وتعتبر إحياء ذكرى مشروع الحزام العربي مناسبة لتذكير السوريين والعالم بحجم الظلم التاريخي الواقع على الكرد، والعمل على تحويل هذه الذاكرة إلى قوة دفع نحو العدالة، والإنصاف، وبناء مستقبل يتسع لجميع السوريين.
منظمة الجيوستراتيجي للمجتمع المدني الكوردي
25 حزيران 2025
التعليقات