"الوجود الكردي في سوريا: بين الجذور التاريخية والسرديات السياسية"

آدمن الموقع
0
alamy.com/stock-photo/ku...
1- الوجود التاريخي القديم

الكرد هم أحد الشعوب الهندو-أوروبية القديمة، وتعود أصولهم إلى الميديين وغيرهم من الشعوب التي سكنت جبال زاغروس وميزوبوتاميا العليا. 
المصادر التاريخية (منها كتابات هيرودوت، وخرائط الإمبراطوريات الرومانية والبيزنطية) تؤكد أن مناطق الجزيرة الفراتية (التي تشمل اليوم الحسكة، الرقة، دير الزور، إضافة إلى مناطق حلب وعفرين) كانت مأهولة بجماعات كردية منذ العصور القديمة. 
أسماء أماكن كثيرة في شمال سوريا (عفرين، كوباني، عامودا، الدرباسية...) ذات جذور كردية أو آرامية–كردية، وهذا دليل استقرار طويل الأمد. 
 
2- العصر الإسلامي والوسيط

مع الفتح الإسلامي، لعب الكرد أدواراً كبيرة (من أبرزهم صلاح الدين الأيوبي الكردي الذي أسس الدولة الأيوبية وامتد حكمه إلى دمشق وحلب). 
خلال العصر الأيوبي والمملوكي والعثماني، استوطنت قبائل كردية عديدة في شمال وشمال شرقي سوريا، خاصة في الجزيرة وعفرين. 
وثائق الدولة العثمانية تؤكد وجود قبائل كردية في هذه المناطق قبل مئات السنين، مثل عشائر الشيخان، الدقوري، البرازية، المليّة، الكيكان، الدنابلة، الديريشية وغيرها. 
 
3- الفترة العثمانية – ما قبل 1918

مناطق الجزيرة الفراتية كانت تُدار كأراضٍ عشائرية، وكانت قبائل كردية كبرى (مثل الملي بقيادة إبراهيم باشا المللي) تسيطر على مناطق واسعة من الحسكة والرقة حتى سقوط الدولة العثمانية. 
هذه المرحلة تثبت أن الكرد لم يكونوا "مهاجرين" بل سكاناً أصليين وشركاء في حكم المنطقة. 
 
4- مرحلة الانتداب الفرنسي (1920–1946)

بعد تقسيم سايكس–بيكو ورسم الحدود، انقسمت القبائل الكردية بين تركيا وسوريا والعراق. 
جزء من الكرد نزح إلى الداخل السوري هرباً من قمع الدولة الكمالية التركية (خاصة بعد ثورات الشيخ سعيد بيران 1925 وثورة آرارات 1930). 
نعم، حصلت موجات لجوء جديدة، لكن هذا لا ينفي أن الوجود الكردي في سوريا سابق بقرون طويلة. بل يمكن القول: الكرد موجودون أصلاً، ثم تعزز وجودهم بموجات نزوح حديثة من تركيا. 
 
5- بعد الاستقلال السوري

الكرد أصبحوا جزءاً من النسيج الوطني السوري، لكن الحكومات المركزية حاولت مراراً تصويرهم على أنهم "وافدون حديثاً"، خصوصاً بعد إحصاء 1962 الاستثنائي في الحسكة، الذي جرّد حوالي 120 ألف كردي من الجنسية بحجة "التسلل من تركيا". 
الدراسات المستقلة (مثل كتاب جوردون تورك، مارتن فان بروينسن، ونيكيتين) تؤكد أن هذه السردية سياسية وليست علمية.
 
الخلاصة الأكاديمية:
 
الكرد في سوريا شعب أصيل ومتجذر في شمال البلاد منذ العصور القديمة (ميزوبوتاميا والمرحلة الأيوبية والعثمانية)، مع وجود موجات نزوح لاحقة عززت هذا الوجود، خصوصاً في القرن العشرين. أي أن الكرد ليسوا "طارئين" على سوريا، بل هم سكان أصليين ومن المكونات التأسيسية، مثل العرب والآشوريين والسريان والأرمن.
إليك مجموعة مميزة من الخرائط القديمة والمعاصرة التي توضح التوزّع التاريخي لسكان الكرد في سوريا والمنطقة المحيطة: 
خريطة إثنية من عام 1935 (المصدر: ويكيبيديا) توضح التوزّع الديني والعرقي في سوريا ولبنان آنذاك، وتُظهر تقاطعات مهمة تشمل مناطق ذات حضور كردي. 
https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/d/da/Population_map_Syria_%26_Liban_%281935%29.jpg 
خريطة تاريخية لمنطقة كردستان ضمن إطار الشرق الأوسط، تُبرز كيف كان يُنظر إلى هذه المنطقة في وقت سابق، مع تضمين أجزاء من شمال سوريا. 
File:1946 Kurdistan et groupements Kurdes isolés.jpg - Wikimedia Commons 
خريطة كردستان من عام 1946 نُشرت في القاهرة، تظهر الحدود الإثنية المقترحة وأماكن التجمعات الكردية. تُعد من أوائل المحاولات لعرض المنطقة العالمية للكرد. 
Kurdistan.: Geographicus Rare Antique Maps 
خريطة أطلس نادرة من عام 1894 توثق أول خريطة مطبوعة محددة لكردستان، تشمل المناطق الحدودية الشمالية التي تضم أجزاء من سوريا. 
Syrian Kurdistan - Wikipedia 
لماذا هذه الخرائط مهمة:

الخريطة 1935: تكشف عن وجود مجتمعات كردية في شمال سوريا قديماً، مما يدعم الصورة التاريخية المتعددة المكونات للمنطقة. 
الخريطة 1946 من القاهرة: تبرز رأياً كردياً في الشؤون الجغرافية الوطنية، ولا تعكس فقط التقسيمات السياسية الرسمية. 
خريطة 1894 من Atlas: تُظهر أن الاهتمام بتحديد كردستان كمفهوم جغرافي يعود إلى القرن التاسع عشر، وكان يشمل مناطق كانت تُعد تاريخياً جزءاً من سوريا.
خريطة وكالة الاستخبارات الأمريكية 1951: هناك أيضاً خريطة مفصلة صادرة عن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) لعام 1951، تُبيّن القبائل الكردية والعربية داخل سوريا بألوان مميزة (الكردية باللون الأخضر والعربية بالأحمر)، وتظهر بوضوح التجمعات الكردية في عدة مناطق من الجزيرة والشمال.
للحصول على نسخة منها أو رؤيتها بدقة أكبر، يمكنك زيارة ويكي ميديا أو الأرشيف الوطني الأمريكي حيث إنها في المجال العام. 
 
خلاصة:

تُوضح هذه الخرائط مجتمعةً أن الكرد كانوا حاضرين تاريخياً في شمال وشرقي سوريا، وليسوا وافدين حديثاً. وجودهم موثق منذ العقود الأولى من القرن العشرين، بل يمتد إلى قرون مضت عبر أدلة جغرافية وأوتوقراطية.

مراجع غربية وأكاديمية:

Martin van Bruinessen – كتاب Agha, Shaikh and State: The Social and Political Structures of Kurdistan (1989). 
يتحدث عن القبائل الكردية في سوريا، خصوصاً في الجزيرة وعفرين. 
David McDowall – كتاب A Modern History of the Kurds (1996, 2004). 
مرجع أساسي يوضح جذور الوجود الكردي في سوريا منذ العهد العثماني وحتى اليوم. 
Gérard Chaliand – كتاب A People Without a Country: The Kurds and Kurdistan (1993). 
يؤكد أن الوجود الكردي في شمال سوريا تاريخي وأصيل، مع توضيح موجات النزوح من تركيا في العشرينات والثلاثينات. 
Jordi Tejel – كتاب Syria’s Kurds: History, Politics and Society (2009). 
من أهم الدراسات الأكاديمية عن الكرد في سوريا خلال الانتداب الفرنسي وما بعده. 
Wadie Jwaideh – كتاب The Kurdish National Movement: Its Origins and Development (2006). 
يناقش أصول الحركة القومية الكردية وعلاقتها بالوجود الكردي في سوريا. 
 
مراجع عربية:

محمد علي الصويركي – كتاب الأكراد: دراسة في التكوين التاريخي والواقع السياسي (عمّان، 2000). 
يقدم قراءة تاريخية معمقة عن الكرد في سوريا والعراق وتركيا. 
علي سيدو الكوراني – كتاب تاريخ الأكراد وكردستان (القاهرة، 1939). 
من أوائل الكتب العربية التي تناولت الكرد ككيان تاريخي وجغرافي. 
شمس الدين سامي – قاموس الأعلام (القرن 19). 
يشير إلى مناطق سكن الكرد في الشام والجزيرة قبل أكثر من قرن ونصف. 
 
وثائق وأبحاث إضافية: 
 
الأرشيف العثماني (دفاتر الطابو والسالنامات) يذكر وجود قبائل كردية في مناطق الجزيرة السورية وعفرين منذ القرن 16 وما بعده. 
تقارير الانتداب الفرنسي في العشرينات والثلاثينات تذكر بالاسم العشائر الكردية في الحسكة (المللية، الدقورية، الكيكية، الهفيركية، الشيتية...).
 
إعداد فريق Civaka me 

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!